مصر تعلن سيادتها على الذاكرة الإنسانية من بوابة المتحف الكبير


قبل ساعات من افتتاح المتحف المصري الكبير، تتجاوز القاهرة حدود الاحتفال الثقافي لتخطو إلى ما هو أبعد وهو "إعلان سيادة على الذاكرة الإنسانية"، فالمتحف في جوهره ليس مجرد صرح أثري أو مشروع سياحي بل يعد تتويجا للسيادة الرمزية للدولة المصرية وتجسيدا لرؤية الرئيس عبدالفتاح السيسي، في بناء وعي جديد يعيد للهوية المصرية مكانتها المستحقة في وجدان العالم.
معركة الوعي والهوية
فمنذ توليه المسؤولية، أكد الرئيس السيسي أن الوعي هو أساس بقاء الدولة، وأن معركة مصر الحقيقية هي معركة الوعي والهوية، لا تقل شأنا عن معركة التنمية والبناء، ومن هنا جاءت فلسفة الجمهورية الجديدة التي لا تعيد بناء العمران فقط، بل تبعث روح الإنسان المصري بثقة وإيمان.
ويأتي المتحف المصري الكبير ليجسد تلك الفلسفة في أبهى صورها كمرقد للوعي القومي وبعثه الجديد ومركزًا لتجديد العلاقة بين المواطن وتاريخه، وبين الماضي والمستقبل، وبين مصر والعالم.
ويشير المحرر الدبلوماسي لوكالة أنباء الشرق الأوسط إلى أن هذا الحدث يُقرأ في عواصم العالم باعتباره تتويجًا لمسار طويل من الدبلوماسية الحضارية المصرية، التي أعادت تقديم مصر كقوة ناعمة ذات سيادة ثقافية وتأثير عالمي متجدد.
فالمتحف الكبير لا يمثل إنجازًا أثريًا فقط، بل رسالة سياسية رمزية تؤكد أن مصر تمتلك سرديتها الحضارية، وتفرضها بثقة على الوعي الدولي في وقت تتنافس فيه الأمم على الهوية والمعنى والرمز.
ولعل مشاركة قادة ومسؤولي كبريات الدول في حفل الافتتاح المرتقب، واهتمام وسائل الإعلام العالمية بتفاصيل الحدث، تعكس إدراكًا عالميًا بأن مصر تستعيد زمام المبادرة في صياغة صورتها الحضارية أمام العالم، بعد أن ظلت لعقود موضوعًا للقراءة من الخارج، واليوم تقدم نفسها من جديد بوصفها صاحبة السيادة على ذاكرتها وسردها وتاريخها، في نموذج يجمع بين الحداثة والخلود، وبين الأصالة والانفتاح على المستقبل.
الافتتاح يمثل في جوهره ذروة الدبلوماسية الحضارية المصرية التي تعيد تقديم مصر للعالم باعتبارها قوة ثقافية ذات سيادة، تمتلك سرديتها الخاصة، وتتحكم في كيفية قراءة تاريخها.. فالمتحف الكبير ليس مجرد بيتا للآثار بل "العاصمة الرمزية للروح المصرية"، حيث تمتزج الدقة العلمية بالخيال الفني، وتتقاطع الذاكرة مع الرؤية، لتعلن ميلاد عصر جديد من القوة الناعمة المتجددة التي تعبّر عن مصر بثقة وإبداع.
وليس صدفة أن يتزامن هذا الافتتاح مع تحولات كبرى تشهدها الدولة المصرية، من العاصمة الإدارية الجديدة إلى مبادرة "حياة كريمة"، ومن مشروعات إحياء القاهرة التاريخية إلى إعادة الاعتبار للقرية المصرية وغيرها الكثير والكثير من المشروعات التي تعكس التحولات كلها حلقات في مشروع وطني واحد هدفه استعادة السيادة الشاملة السياسية والاقتصادية والثقافية تحت راية رؤية رئاسية تؤمن بأن الحضارة ليست ترفًا ولا ماضيًا، بل أداة قوة وأمن قومي.
وفي موازاة هذا البعد الاستراتيجي، تعيش مصر حاليًا حالة وجدانية غير مسبوقة مع هذا الحدث، فمشاعر الفخر والانتماء تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي والشارع على السواء، من العمال الذين ساهموا في إنشاء هذا الصرح التاريخي، إلى طلاب الجامعات والفنانين والمثقفين.. الكل يرى في المتحف الكبير مرآة لذاته وإثباتًا لقيمة بلده.
صار المواطن العادي يتحدث عن هندسة المتحف وتصميمه ومقتنياته كما يتحدث عن لحظات فخره الوطنية وأحلامه الشخصية، في دلالة على أن الثقافة عادت لتصبح جزءًا من الوعي الشعبي، وأن "السيادة الثقافية تحولت من مفهوم نخبوي إلى حالة جماعية".
وامتد تأثير هذا الزخم إلى الأطفال الذين يرسمون المتحف في دفاترهم المدرسية أو يلتقطون صورهم أمامه، يرونه رمزًا لوطن كبير يفخرون بالانتماء إليه، فتتشكل ذاكرتهم الوطنية على عتبة هذا الميلاد الحضاري، بما يعكس انتقال الوعي الثقافي إلى الأجيال الجديدة في أبهى صوره.
وامتد صدى هذه الحالة إلى المصريين في الخارج، الذين تابعوا الاستعدادات للحدث بشغف وفخر، معتبرين أن المتحف يعيد تعريف صورة مصر في الوجدان العالمي.
وقد تناولت الصحف والقنوات الدولية الحدث بوصفه ميلادًا جديدًا لمصر الحديثة، واعترافًا دوليًا بدورها كقوة حضارية متجددة، قادرة على صياغة صورتها وصوتها في عالم يموج بالتغيرات.
ما يحدث اليوم هو لحظة استثنائية في التاريخ المصري الحديث، إذ تستعيد الدولة سيادتها على وعيها وسردها الحضاري بعد عقود من التجاهل أو التبسيط.. فمصر لم تعد موضوعًا للقراءة من الخارج، بل صارت كاتبًا رئيسيًا في سجل الحضارة الإنسانية تخاطب العالم بلغة الثقة والخلود.
وهكذا، يصبح المتحف المصري الكبير تتويجا للجمهورية الجديدة بسيادتها على الذاكرة الإنسانية، ورمزًا لميلاد مصر الحديثة من رحم حضارتها القديمة.
إنها لحظة فارقة، تعلن فيها القاهرة أن الحضارة ليست ما نحتفظ به في الصناديق الزجاجية، بل ما نحمله في وعينا وهويتنا، وما نبنيه للمستقبل من إيمان بالذات وإصرار على البقاء.. إنها قيامة مصر العظمى، لحظة تتجسد فيها السيادة الثقافية كأسمى أشكال القوة الوطنية، حين تتوحد الدولة والوعي والتاريخ في مشهد واحد، يليق بأمة لم تكن يومًا شاهدة على التاريخ، بل كانت هي التاريخ ذاته.. وتكتب اليوم مستقبلها بحبر الخلود.




