صحف إسبانيا: زيارة الملك فيليبي السادس لمصر رسالة لغزة من أكبر حليف بالشرق الأوسط


شهدت الزيارة الرسمية التي يقوم بها الملك فيليبي السادس والملكة ليتيثيا إلى مصر من لحظاتها الأولى أجواء رسمية مهيبة وحضورًا إعلاميًا واسعًا، حيث وصفت وسائل الإعلام الإسبانية مصر بأنها أكبر حليف لإسبانيا في الشرق الأوسط، وتعتبر من أكثر الدول الفعالة في ملف حرب غزة.
توقيت حساس
وأفادت مجلة " موخيرهوي" الإسبانية، فقد جاءت الزيارة في توقيت حساس إقليميًا ودوليًا، على وقع تصاعد الأحداث في غزة واحتجاجات شهدتها إسبانيا رفضًا للحرب هناك، فضلًا عن قرار مدريد عدم المشاركة في مسابقة يوروفيج، كل ذلك أضفى مزيدًا من التركيز على تحركات العاهلين الإسبانيين في القاهرة، التي تُعد منطلقًا محوريًا نحو فلسطين والمنطقة العربية.
ووصف القصر الملكي الإسباني الزيارة بأنها فرصة لتعزيز الروابط التاريخية والسياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والإنسانية القائمة بين مصر وإسبانيا، غير أن المستجدات الإقليمية فرضت نفسها على أجندة الزيارة وجعلتها أكثر ارتباطًا بالشأن السياسي والأمني الراهن.
رسائل رمزية من ملك وملكة إسبانيا من مصر
وبحسب المجلة الإسبانية، فقد اختارت الملكة ليتيثيا ارتداء اللون الأسود في اليوم الأول للزيارة، ما عكس طابعًا من الوقار والجدية انسجم مع خطورة الظرف الإقليمي وأضفى على حضورها رسالة تضامن واضحة مع مضمون خطاب الملك.
حتى في ظهورها بفندق سانت ريجيس الفاخر في القاهرة، الواقع في الحي الإداري، بدت الملكة بوجه متجهم وخال من الابتسامات حتى بدأت بمصافحة الحضور والتحدث إليهم، ما أكد الطابع الرمزي للزي الأسود ولغة الجسد الرسمية.
اختارت العائلة المالكة هذا الفندق ذي الخمس نجوم لاستقبال نحو 300 من المواطنين الإسبان المقيمين في مصر.
وخلال هذه الأمسية أتيحت الفرصة لأفراد الجالية للتحدث مع الملك والملكة وتبادل الآراء حول الوضع الإقليمي، في أجواء عكست القلق الطبيعي للمغتربين إزاء ما يجري في المنطقة.
كما ألقى الملك فيليبي السادس خطابًا تميز بنبرة تفهم وتعاطف مع معاناة شعوب المنطقة، وأشار في مستهل كلمته إلى أن هذه الزيارة تجري في لحظة مضطربة ومأساوية في الشرق الأوسط، مؤكدًا وعيه والملكة ليتيثيا بما يثيره الوضع الإقليمي من قلق وعدم يقين، وسعيهما لنقل دعم ومساندة الإسبان في الوطن لأبنائهم المقيمين في مصر.
وأكد العاهل الإسباني أن بلاده ومصر تتقاسمان قناعة راسخة بضرورة ترسيخ قيم التعايش السلمي والحوار والمصالحة في الشرق الأوسط، من أجل بناء بيئة مستقرة تتيح التنمية والعيش بكرامة وعدالة للشعوب.
وأضاف أن ما قد يبدو اليوم حلمًا بعيد المنال يجب أن يصبح واقعًا بمساهمة الجميع، متطرّقًا إلى آخر فصول النزاع الذي بدأ بالهجوم الإرهابي على إسرائيل قبل نحو عامين وما أعقبه من رد أوقع عددًا هائلًا من الضحايا وأدى إلى كارثة إنسانية غير محتملة ومعاناة هائلة لمئات الآلاف من الأبرياء وتدمير شبه كامل لقطاع غزة.
إلى جانب علماء الآثار والجالية الإسبانية، التقى العاهلان الإسبانيان خلال هذا الاستقبال أعضاء السلك الدبلوماسي الإسباني وموظفي معهد ثربانتس وممثلي منظمات غير حكومية وهيئات دولية مثل صندوق النقد الدولي واليونسكو والبنك الدولي ومنظمة الأغذية والزراعة والمنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
وتواصل البرنامج الرسمي للزيارة يتواصل أمس في قصر الاتحادية الرئاسي حيث أقيمت مراسم استقبال رسمية بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي وزوجته، أعقبها مأدبة غداء على شرف الضيفين الإسبانيين، ولم يتم تنظيم مأدبة عشاء رسمية لعدم ورودها ضمن الأعراف البروتوكولية المصرية.
شراكة استراتيجية
فيما أكد موقع "ليبرتاد" الإسباني، أن الملك فيليبي السادس والملكة ليتيثيا عبرا عن سعادتهما الشخصية بتوجيه الرئيس عبد الفتاح السيسي دعوة لهما لزيارة مصر، وهي الزيارة التي تمتد حتى 19 سبتمبر وتتضمن برنامجًا حافلًا يشمل لقاءات رفيعة المستوى، منتدى اقتصادي، افتتاح مشروع إنارة معبد حتشبسوت، إلى جانب استقبال رسمي للجالية الإسبانية المقيمة في مصر
أوضح بيان صادر عن وزارة الخارجية الإسبانية أن هذه الزيارة تأتي في إطار العلاقات الممتازة التي تجمع بين البلدين، واعتبر أن وجود العاهلين الإسبانيين في القاهرة فرصة سانحة لتعزيز الروابط التاريخية والسياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والإنسانية التي تربط مصر بإسبانيا.
وتعد هذه الزيارة أول زيارة دولة يقوم بها ملك إسباني إلى مصر منذ 17 عامًا على آخر زيارة رسمية قام بها الملك خوان كارلوس والملكة صوفيا، والذين سبق لهما زيارة مصر في أعوام 1977 و1997 و2008
يختتم الملك والملكة زيارتهما بجولة في متحف الأقصر الذي يضم بين مقتنياته النفيسة آثارًا نادرة منها مقتنيات توت عنخ آمون التي اكتشفت في مقبرته بوادي الملوك.
كما سيتفقدان عددًا من مشروعات الحفريات الأثرية التي يقودها باحثون إسبان في المنطقة، وهو ما يعكس البعد الثقافي والأكاديمي القوي في العلاقات المصرية الإسبانية ويمنح الزيارة طابعًا تاريخيًا وإنسانيًا مميزًا.
مصر الحليف الأكبر لإسبانيا في الشرق الأوسط
فيما أكدت شبكة "إيه بي سي نيوز" الإسبانية، أن زيارة الملك فيليبي السادس والملكة ليتيثيا إلى مصر تأتي بهدف تعزيز الروابط مع أحد أهم حلفاء إسبانيا في العالم العربي في ظل سياق إقليمي بالغ التوتر، حيث تلعب مصر دورًا محوريًا في التوسط بين حركة حماس وإسرائيل في النزاع القائم في غزة. تسعى الزيارة إلى إبراز التزام إسبانيا بالسلام والاستقرار والتنمية في المنطقة وتعزيز صورة البلاد كشريك موثوق في حوض المتوسط.
وتأتي هذه الزيارة ضمن مستوى الشراكة الاستراتيجية التي أعلنتها مصر وإسبانيا في فبراير الماضي أثناء استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي في مدريد حيث أقام الملكان مأدبة تكريمية في القصر الملكي. في ذلك اللقاء تم التوصل إلى ثلاث إعلانات مشتركة حول الشراكة الاستراتيجية والتعاون الدولي والإقليمي والتنمية المستدامة في أفريقيا، إلى جانب أربعة مذكرات تفاهم في مجالات الهجرة والبنية التحتية والسياحة والتعاون الاقتصادي.
يرافق الملكين وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس في برنامج حافل باللقاءات والفعاليات. بدأ البرنامج مساء الثلاثاء في القاهرة بلقاء مع الجالية الإسبانية المقيمة في مصر التي تقارب الألف شخص.
وتابعت الشبكة أن أحد أبرز محطات الأجندة الاقتصادية سيكون منتدى الأعمال المصري الإسباني الذي سيفتتحه الملك صباح الخميس بمشاركة ممثلين عن شركات البلدين في قطاعات حيوية مثل النقل والطاقة وإدارة المياه والبناء.
لدى إسبانيا شركات رائدة تشارك بالفعل في مشاريع استراتيجية مثل توسعة مترو القاهرة، بينما تسعى مصر لجذب استثمارات أجنبية لتحديث بنيتها التحتية وتطوير الطاقات المتجددة. المنتدى يمثل فرصة لدفع العلاقات الاقتصادية وفتح آفاق جديدة في قطاعات استراتيجية تشمل الدفاع. في اليوم نفسه سيلتقي الملك فيليبي السادس رئيس الوزراء مصطفى مدبولي والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في مقر الجامعة، بما يعزز البعد الدبلوماسي والإقليمي للزيارة.
بالتوازي مع أجندة الملك الدبلوماسية، ستزور الملكة ليتيثيا مؤسسة سلطان في مدينة الموتى، ذلك المقبرة الإسلامية الكبرى التي يعيش فيها آلاف الأشخاص بين القبور والأضرحة، في مبادرة لتسليط الضوء على التعاون التعليمي والصحي في البيئات الهشة.
المرحلة الثانية من الزيارة ستأخذ الملكين إلى الأقصر، مركز الآثار المصرية الذي تحظى فيه إسبانيا بحضور متميز منذ ستة عقود. ففي عام 1960، عندما هدد بناء السد العالي في أسوان بإغراق تراث منطقة النوبة في جنوب البلاد، طلبت مصر واليونسكو المساعدة الدولية، واستجابت إسبانيا بإرسال فرق إنقاذ، وبادلتها مصر بهدية معبد ديبود الذي نُقل إلى مدريد، منذ ذلك الحين حافظت إسبانيا على نشاط أثري كثيف في المنطقة مع 14 بعثة نشطة حاليًا.
في الأقصر يزور الملكان المتحف المحلي حيث تعرض قطع أثرية اكتشفتها فرق إسبانية، كما سيتفقدان معبد حتشبسوت الذي تولت شركة إسبانية تنفيذ إضاءته الجديدة وسيقومان بافتتاحها رسميًا.